الفصل الأول : اختلاف المبدأ
لا أعلم كيف أصف نفسي و قلبي يوم جلست أنظر إلى العالم الجليل الذي أرشدني إليه صديقي ’’ مؤمن ’’
وقد مد يده لاستلام ورقتي الصغيرة التي كتبت فيها أسئلتي .
_ سيدي أرجو أن تسمح لي أن أشغل وقتك قليلا فقد ضاق صدري ، ولا أجد من يفتح قلبه لي و يستمع بتمعن لما أقول
كلهم مشغولون ، حتى الذي أفنى عمره في طلب العلم و التفقه في الدين مسينا أو تناسانا فبقينا حيارى في الميدان .
كان ينظر لي بتأمي عميق ، و يحاول أن يشملني بعطفه و حنانه ، و قد بدت على و جهه ملامح التأثر و الاهتمام بي فقال :
_ بني العزيز ما هي مشكلتك ؟
قلت :
_ سيدي إن الدنيا صغرت في عيني حتى تشاءمت منها و حقرت نفسي حتى أصبحت أتنكر لما فيها ، فأراها
كالصفحة السوداء تمنعني من الوصول إلى الله ...
كانت كلماتي الأخيرة ممزوجة بهمسات البكاء الذي منعني من الاستمرار في الكلام ، أحسست أنه يجب أن
أتمالك نفسي فانتخبت الصمت ، ونظرت إلى الأسفل واضعا يدي على وجهي الذي ابتل بالدموع ، لم يستمر صمتي طويلا
حتى رفعت وجهي لأرى الحاضرين وقد بدت عليهم علامات التعجب و الدهشة لما يشاهدونه ،
حينها تدارك العالم الجليل ذلك الصمت و قال :
_ بني العزيز إنني أدعوك غدا للمجئ إلى بيتنا بعد صلاة المغرب و العشاء ، وسأطالع أسئلتك لأرى إنا كان
بإمكاني الإجابة عنها .
قلت :
_ سيدي وكيف يتسنى ي ذلك و ليس لي علم بمكان بيتكم ؟
_ إن صديقك ’’ مؤمن ’’ سبق وأن زارنا مرات عديدة .
_ و هل تسمح بصحبته معي هذه المرة
_ بالطبع يا ولدي ، سأكون بانتظاركما على سفرة العشاء إن شاء الله .
غادرت المجلس بعد أن شكرت العالم الجليل ، و حاولت المشي بخطوات متزنة و خفيفة ألقيت خلالها نظرات إلى غرفته
و إلى المكتبة الكبيرة التي وضعت الكتب فيها بصورة مرتبة و مقسمة على رفوف معنونة ، كما لفت نظري
تواضع غرفته و بساطتها بالرغم من أنها تعتبر مكتبا لكل اجتماعاته التي يقيمها بوصفه إمام جمعة للمدينة ،
و تذكرت حينها مكتب الشركة التي أعمل فيها و زخارفه و أثاثه فلا مقارنة بين الاثنين .
اخترت هذه المرة أن أسلك طريق البيت مشيا على الأقدام لتمكن من التفكير خلاله بالمسائل و المطالب التي
سوف أعرضها على إمام الجمعة غدا ، و لكن ما أن أردت العبور إلى الناحية الثانية من الشارع حتى سمعت
نداءا من مكان قريب ، التفت و إذا به جمال يقول :
_ سعيد إلى أين تذهب تحت أشعة الشمس المحرقة ؟
_ إلى البيت .
_ عجبا لأمرك ألا تحس بحرارة الشمس على بدنك ؟
_ حقيقة أنني لم أحس بحرارتها إلا أن أخبرتني بها لأني كنت مشغولا عنها
ـــــــــــــــــــ